منتديات المسيرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المسيرة

منتديات المسيرة عالم من الابداع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الحقيقة

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
rachidcos

rachidcos


عدد الرسائل : 12
العمر : 33
الموقع : اجلموس
تاريخ التسجيل : 30/10/2008

الحقيقة Empty
مُساهمةموضوع: الحقيقة   الحقيقة Icon_minitimeالسبت يناير 09, 2010 8:05 am


تمهيد

حينما نتذكر موقف فيتاغورس المشهور، والذي يؤكد فيه أن الإنسان لا يمكن أن يكون حكيما، وإنما مجرد باحث عن الحقيقة وساع باستمرار إلى المعرفة ؛ يحملنا ذلك إلى التساؤل حول مدى وجود حقيقة مطلقة وبالتالي التساؤل عن مدى وجود يقين يمكن أن يلتف حوله الناس... بل يمكن القول، إن إشكالية الحقيقة تنفتح على مصداقية الأحكام والتصورات والآراء التي تصدر عن الناس، و ما إذا كان بالإمكان الأخذ بها والسير وفقها. إن ذلك يبين أن الحقيقة في الاصطلاح العام والمتداول مفهوم معياري، لأن كثيرا من الناس لا يأخذون أي كلام أو أي فكر على محمل الجد إلا إذا اعتبروه حقيقة. من هذا المنطلق، أمكن طرح الأسئلة التالية: هل يمكن أن يرقى الرأي إلى مستوى الحقيقة ؟ هل بالإمكان الاستناد إلى معايير محددة لتمييز الحقيقة عن اللاحقيقة؟ هل للحقيقة قيمة ؟ وفيم تتمثل تحديدا؟


1. الحقيقة والرأي
إن إشكالية العلاقة بين الحقيقة والرأي تمتد جذورها إلى الفلسفة اليونانية، لأن كثيرا من الفلاسفة – وعلى رأسهم أفلاطون – كانوا يرفضون أن يرقى الرأي doxa إلى مستوى الحقيقة. ونفس الموقف يمكن أن نلمسه عند الإبيستيمولوجي المعاصر غاستون باشلار G. Bachelard: فعلى الرغم من تعدد الأنساق العلمية واختلافها أقام هذا المفكر العلاقة بين العلم والرأي على طرفي نقيض، لأن الرأي في اعتقاده خاطئ بالضرورة، بل إنه عائق إبيستيمولوجي يجب إزاحته وإبعاده وعدم الاكتفاء بتصحيحه. فتاريخ العلم – في اعتقاد باشلار - ليس إلا تجاوزا للأخطاء، كما أن العلم لا يسمح بتكوين آراء حول قضايا غير مفهومة، فكل شيء في العلم بناء عقلاني، أما الآراء فلا تسمح إلا بتكوين معرفة عفوية وتلقائية و بالتالي معرفة عامية.

وعلى خلاف ما سبق، نجد موقف بليز باسكال B. Pascal يفسح المجال لتدخل أداة أخرى لتمثل الحقيقة غير العقل. فالحقيقة، في اعتقاده، قابلة لتدرك بالقلب أيضا. إن العقل يستنبط الحقيقة، فيدركها ويتمثلها بشكل مباشر. والمبادئ التي يدركها القلب لا يستطيع العقل أن يبرهن على صدقها، لأنه يملك فقط أن ينطلق منها ويتخذها كأساس لاستنباط حقائق جديدة. إن ذلك ما يبين أن المبادئ التي يعتبرها باسكال حقائق تدرك بالقلب فقط تتحدد فيما يصطلح عليه، في التصور الفلسفي التقليدي، بالبديهيات.

وإذا كان باسكال قد اكتفى بتأكيد وجود حقائق متميزة عن العقل، فإن ليبنتز Leibniz يرى – عكس باشلار – أن الرأي يستحق أن يرقى إلى مستوى المعرفة. لأن الفيلسوف، يعتقد أنه لو لم توجد آراء محتملة، لما كانت هناك معرفة تاريخية ومعارف كثيرة. فيكفي التأكيد على أن رأي كوبيرنيك، الرافض لفكرة مركزية الأرض، كان وحيدا في عصره، ومع ذلك كان الاحتمال الأرجح. من هذا المنطلق أكد ليبنتز أنه أصبح من الضروري التفكير في تأسيس تفكير جديد لتمييز الاحتمالات وقياسها. وهذا التفكير من شأنه، أن تنتفع منه سائر العلوم، كما أن بإمكانه أن يساعد على تجاوز النقص الذي تشكو منه علوم المنطق.

إذا كان الاختلاف الفكري السابق، ينم عن اختلاف واضح حول علاقة الحقيقة بالرأي، فإن التساؤل حول وجود معايير قادرة على تمييز الحقيقة من غيرها أمر ضروري.


2. معايير الحقيقة

يعتبر ديكارت من أبرز الفلاسفة المحدثين، الذين أكدوا أن للحقيقة معايير دقيقة، نستطيع بواسطتها أن نتعرف عن المعرفة اليقينية ونميزها، خصوصا وأن هذا الفيلسوف لاحظ، أن ذهن الإنسان يحشى منذ الطفولة، بمعارف كثيرة قد يكون بعضها مشكوك في مصداقيته. كما حرص ديكارت على التأكيد، بأن العقل يعتبر الأداة المطلقة في المعرفة لأن الحواس تخدع. والعقل يصل إلى الحقيقة تارة بالحدس وتارة أخرى بالاستنباط. أما الحقيقة التي تدرك بالحدس، فمعيارها البساطة والوضوح والتميز، وتلك هي خاصية البديهيات العقلية، التي يستطيع العقل اتخاذها كأوليات لبناء واستنباط معرفة لاحقة: فالعقل يتدرج، أثناء بناء الحقيقة الاستنباطية، من البديهيات بطريقة برهانية ومن خلال حلقات حجاجية إلى أن يصل إلى حقائق جديدة. وما يميز هذه الحقائق عن البديهيات كونها تستمد صدقها مما قبلها.

إذا كان ديكارت يرى أن العقل يمثل أعدل قسمة بين الناس، فإنه يؤكد، في المقابل، أن الاختلاف المعرفي بين الناس يرجع إلى سوء استخدامه (العقل).. وعلى هذا الأساس، سعى الفيلسوف إلى وضع قواعد للتفكير السليم حصرها في أربعة:

أ. قاعدة البداهة: وهي قاعدة تحتم ألا يقبل العقل إلا ما هو بديهي وواضح بذاته ومتميز ولا يحتمل الشك..

ب. قاعدة التحليل: وتتمثل في تفكيك القضايا، التي لا تتوفر فيها المواصفات السابقة، إلى أبسط ما يمكن من الأجزاء..

ت. قاعدة الترتيب: وتحتم القيام بدراسة مكونات القضايا التي تم تفكيكها بدءا بالأجزاء البسيطة فالمعقدة (أو المركبة)..

ث. قاعدة المراجعة: وتتمثل في مراجعة الخطوات السابقة للتيقن من عدم إغفال أي شيء ودرءا للخطإ..

إذا كان ديكارت من الفلاسفة الذين يجزمون، على إمكانية إخضاع الحقيقة إلى معايير عقلية مضبوطة؛ فإن كانط ليس بإمكانه ذلك، حيث ينطلق الفيلسوف من السؤال التالي : هل يوجد معيار كوني للحقيقة ؟ ليبين أنه إذا تعلق الأمر بمعيار صوري للحقيقة، فمن الممكن أن نؤكد وجود معيار كوني للحقيقة. لأنه، في هذه الحالة، ستتمثل الحقيقة في مطابقة الفكر للفكر، وبالتالي في التماسك المنطقي بين المقدمات والنتائج، ومن ثم سيكون معيار الحقيقة كامن في ذاتها.

لكن، إذا تعلق الأمر بإيجاد معيار كوني مادي للحقيقة، سيكون من المستحيل إيجاد هذا المعيار. لأن الإقرار بوجوده سيقود إلى إلغاء الاختلاف بين الأشياء والموضوعات وذلك أمر مستحيل. بل إن الأمر سيزداد تعقيدا إذا علمنا بأننا لا نعرف من الأشياء إلا كيفية إدركنا لها. أو بتعبير أوضح، إن كانط يؤكد أن الإنسان لا يعرف من الأشياء إلا ظواهرها بحيث يجهل النومينات (أو الأشياء في ذاتها).

إن المقارنة بين ديكارت وكانط هي مقارنة بين فيلسوفين يقر أولهما بوجود حقيقة ثابتة ومطلقة، وبالتالي وجود معايير مضبوطة، بينما يجزم الثاني على أن وجود معيار للحقيقة لا يستقيم إلا بالنسبة للحقيقة العقلية الصورية.. إن مثل هذا التقابل الفكري لا يمنع من التساؤل حول قيمة الحقيقة، خصوصا وأن هناك من يحاول تعريف الفلسفة باعتبارها بحثا دائما عن الحقيقة.


3. الحقيقة بوصفها قيمة
إن الفلسفة التقليدية، حسمت في قيمة الحقيقة، خصوصا لما حددت بعض مميزاتها في مطابقة الفكر للواقع، وبالتالي في الاعتقاد بأن ما يوجد في العقل، يعتبر صورة ونقلا أمينا للعالم الموضوعي. هكذا تكون الحقيقة مطلوبة لذاتها مما يحتم الاعتراف بأن قيمة الحقيقة تكمن في ذاتها.

يتفق الفيلسوف البرغماتي وليام جيمس W. James مبدئيا على أن الحقيقة فكر يطابق الواقع. لكن، شرط أن نعترف، أن المطابقة لا تتحدد فيما سلف ذكره، لأن مطابقة الفكر للواقع، في نظره، تعني أن تكون الحقيقة قادرة، في نفس الوقت، على تفسير الواقع، وتطويره، وقابلة للتحقق العملي على أرض الواقع. هكذا يتبين أن قيمة الحقيقة لا توجد في ذاتها، لأن الحقيقة أداة ووسيلة لتغيير الواقع المعيش، والدفع به نحو الأفضل. وفي تعبير موجز، إن قيمة الحقيقة تتمثل فيما هو عملي ومفيد للحياة الإنسانية.

أما نيتشه فله تصور مغاير تماما لأنه لا يرى فيما يعتبره الناس حقائق أية قيمة. فأصل الحقيقة التي يؤمن بها الناس ناجم عن رغبتهم في التعايش وبالتالي تجاوز حالة الحرب المطلقة التي تقود إليها الطبيعة الإنسانية التي تتأسس على مبدإ القوة. إن الناس في تصور الفيلسوف لا يطلبون الحقيقة لذاتها، خصوصا وأنهم لا يأملون في معرفة الحقائق المؤذية والصادمة ؛ وإنما يرغبون في المنافع المباشرة التي يجنونها مما يعتبرونه حقائق. ومن هذا المنطلق، يؤكد نيتشه أن أصل الحقيقة يتمثل في عقلنة الوهم ويتجلى ذلك، في التفاف الناس حول قيم الضعفاء (المساواة، التعاون، الرحمة ...)، في الوقت الذي يجب فيه الاعتراف بضرورة سيادة قيم الأقوياء (من ظلم وعنف وجبروت ..إلخ). هكذا، يعلن بأن الحقائق التي خلقها الناس ليست إلا أوهاما نسوا من فرط العادة والاستعمال أنهم خالقوها.

إن موقفا مثل هذا لا يثني فيلسوفا مثل إريك فايل E. Weil من أن يكون له تصور مغاير حول علاقة الحقيقة بالعنف. إنه تصور ينطلق من اعتبار العنف نقيضا للحقيقة وبذلك يبتعد عن التصور التقليدي الذي يضع الخطأ في مقابل الحقيقة. لكنه يرى في ذات الوقت، أن جذور الفلسفة التي تتأصل في اللاعنف تنسيها أن تنجد نفسها لمحاربة العنف، وبذلك يمكن للفلسفة أن تفقد كل قيمة. فإذا كانت الذات والخطاب الذي يصدر عنها مترادفان بحيث يكونان صورة لبعضهما، فإنه يتحتم على الإنسان أن يدرك أنه يئن تحت إكراهات الشقاء والحرمان والعنف، وعليه أن يعمل على مقاومة ذلك، خصوصا وأن خطورة العنف، اليوم، تتمثل في قدرته على تسخير العقل ليكون في خدمته... لذا، يتوجب على الإنسان أن يعمل على مقاومة العنف ومحاربته بواسطة العقل والممارسة العقلانية.

كتخريج عام، يتضح أن مفهوم الحقيقة إشكالية فلسفية يمكن أن تنفتح على تساؤلات متداخلة. بل، إن صعوبة تناول هذا المفهوم يتمثل في أن الحقيقة مفهوم يمكن أن يكون موضوعا لمقاربة فلسفية بنيوية كذلك، خصوصا إذا عرفنا أن الحقيقة يمكن أن تكون منتوجا اجتماعيا، وذلك ما جعل فيلسوفا كميشيل فوكو يقرن الحقيقة بالسلطة، مؤكدا أنه يمكن لكل مجتمع أن يخلق الخطاب الذي يعتبره حقيقة. وذلك حتما لن يؤكد تغاير الحقيقة واختلافها من مجتمع إلى آخر، وإنما من شأنه، أيضا، أن يعيد النظر في قيمة الحقيقة ونوعية المعايير التي يمكن اعتمادها كأساس لتمييز الحقيقة عن أضدادها..
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الحقيقة
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المسيرة :: امارة الاداب :: الفلسفة-
انتقل الى: