منتديات المسيرة
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات المسيرة

منتديات المسيرة عالم من الابداع
 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الشخص،

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
rachidcos

rachidcos


عدد الرسائل : 12
العمر : 33
الموقع : اجلموس
تاريخ التسجيل : 30/10/2008

الشخص، Empty
مُساهمةموضوع: الشخص،   الشخص، Icon_minitimeالسبت يناير 09, 2010 7:52 am

تمهيد

إن كلمة الشخص في الاصطلاح الغربي، مشتقة كلمة persona اللاتينية التي تفيد القناع، الذي كان الممثلون يضعونه على وجوههم على خشبة المسرح. إن ذلك ما يوحي، في أول وهلة، إلى التفكير في ما إذا كان بالإمكان الاقتراب من تحديد مفهوم الشخص، من خلال الأدوار الاجتماعية، التي يضطلع بها الناس خلال حياتهم. وما إذا كان الناس أحرارا في توجيه حياتهم وفق إرادتهم.. إن التأمل في حقيقة الشخص، ليس من الأمور التي يمكن استصغارها، لأنها تحتاج في الواقع إلى تأمل فكري عميق، وذلك ما سنحاول القيام به، معتمدين على بعض تصورات الفلاسفة، ومسترشدين بالتساؤلات التالية: ما هي طبيعة الشخص وفيم تتحدد هويته؟ هل يملك الشخص قيمة وفيم يمكن حصرها؟ هل الشخص حر في بناء كينونته وتحديد هويته؟



1. الشخص والهوية

يمكن إرجاع التفكير في مفهوم الهوية فلسفيا إلى سقراط، خصوصا وأن هذا الفيلسوف أطلق شعار: "أيها الإنسان اعرف نفسك بنفسك"، معتقدا أن الإنسان يحمل حقيقة كل شيء في ذاتها ويكفيه أن يستبطن ذاته. كما حاول ديكارت، فيما بعد، أن يؤسس لمفهوم الشخص من خلال حقيقة الكوجيتو (أنا أفكر أنا إذن موجود). وذلك ما يبين أن هوية الشخص، في تصور الفيلسوف، قابلة للتحديد في كينونته الواعية والمفكرة.

إن التفكير بهذه الطريقة، قد يجعلنا نعتقد أن هوية الشخص حقيقة يمكن تبينها بشكل ميسر. لكن الواقع أن الأمر ليس بهذه البساطة، فهذا جون لوك J. Locke، مثلا، يرى أن حقيقة الشخص تتمثل في اعتباره ذلك الكائن العاقل المفكر الذكي. والوعي (أو الشعور) هو ما يمكن الشخص من تمثل حقيقة ذاته، علما بأن الوعي والتفكير متلازمان. ومن ثمة، يرى الفيلسوف، أن الرجوع إلى الذات سيظهر للفرد أنه نفس الشخص مهما تغير الزمان والمكان. وسيكون بمقدوره أن يحد نفسه باعتباره تلك الأنا التي تجسد هويته الخاصة. وبالقدر الذي تتجه الذكريات نحو الماضي (الطفولة)، بالقدر الذي تتسع هوية الشخص. واتساع الهوية لا يعني تغيرها لأن الشخص يعي أنه هو نفسه من كان يقوم بتلك الأعمال في الماضي.

ويستبعد جول لاشوليي J. Lachelier أن توجد داخل الشخص أنا ثابتة وقارة. إن الذي يولد لدى الفرد إحساسا بأن له هوية، أو ذاتا مميزة، قابل للاختزال في عاملين: استمرار نفس الطبع، وترابط الذكريات. هكذا يعتقد الشخص أن سلوكياته يحكمها خيط ناظم؛ وأن ما هو عليه اليوم مكمل لما كان عليه في الماضي. ومن ثم، تبدو انطباعاتنا النفسية اليوم تداعيات لحالات ماضية. من هذا المنطلق، يرفض الفيلسوف أن تتحد هوية الشخص في شيء قبلي متأصل في الوعي، لأن الهوية ليست إلا عبارة ذكريات تتداعى ويستدعي بعضها بعضا.

أما شوبنهاور Schopenhauer فينطلق، من رفض كل تصور يربط الهوية بصفات الشخص الجسمية لأنها دائمة التغير. لكنه يرى، في ذات الوقت، أن تقدم السن لا يمنع المرء من الإحساس بأنه نفس الشخص، كما يستطيع الناس أن يتعرفوا عليه بعد أمد طويل. إن ذلك ما يدفع إلى ربط هوية الشخص بالعناصر الثابتة، وذلك ما يدفع الناس إلى الاعتقاد أن الهوية ترتبط بالوعي. إلا أن الفيلسوف يرفض ربط الوعي بالذكرى، لأن المرء لا يتذكر إلا أحداثا مهمة وأساسية، والباقي يطويه النسيان، علاوة على أن عمل الذاكرة قد تشله أمراض أو عوارض أخرى. أما الهوية فتتسم بالاستمرارية، ولذلك لا يمكن أن تحدد في الذات الواعية أو العارفة، لأن الهوية لا تتحدد بشيء آخر غير الإرادة (التي يتمثلها الفيلسوف كشقاء وكشيء في ذاته)..

ويعتبر مونيي Mounier من الفلاسفة الذين يتفقون على أن هوية الشخص لا تتحدد في بعده الجسمي أو في تمظهراته الخارجية. ليؤكد أن الشخص ليس موضوعا: فجسم الشخص، الذي يتجسد فيه وجوده الموضوعي، قابل للمقاربة العلمية الفسيولوجية. وعلى خلاف ذلك، إننا لا نستطيع أن نتمثل إحساس الشخص بجسمه. بل إن الشخص قد يمثل وحدة من كل، ومع ذلك يظل هو هو: حيث يمكن، مثلا، أن يكون أحد الاشتراكيين، أو أحد البرجوازيين، أو أحد الموظفين...، لكننا لا نستطيع أن نقول عن شخص اسمه "برنار شارتيي"، إنه أحد من "برنار شارتيي"، وإنما نقول إنه " برنار شارتيي". كما أن الصور التي نعرفها عن الشخص تساعدنا على الاقتراب منه، إلا أن الشخص يظل بمنأى عنها لأنه ليس شيئا آخر سوى ذاته. فالشخص يظل الموجود الوحيد الذي نستطيع أن نعرفه أو نشكله انطلاقا من دواخله.

إن بعض التقاطعات التي توجد بين التصورات السابقة، لا تؤكد التقاء مطلقا في تحديد هوية الشخص.. ومع ذلك، يظل الشيء المؤكد يتمثل في أن هوية الشخص تظل فيما يمكن أن يميز الإنسان عن الأشياء، وأيضا فيما يمكن أن يميز الفرد عن الآخرين.. وذلك ما يدفع إلى طرح السؤال التالي: فيم تكمن قيمة الشخص؟
2. الشخص بوصفه قيمة

يعتقد كانط أن للموجودات الأخرى غير الإنسان قيمة نسبية، لأنها تكون موضوعا لميول تروم منها حاجة خارجة عن ذاتها. هكذا يرى الفيلسوف أن الطبيعة العقلية للإنسان تجعل منه غاية في ذاته. لأننا حينما نروم الإنسان، نرومه لذاته. لينطلق الفيلسوف مؤكدا أن تشييء الشخص لنفسه سيحوله إلى أتفه بضاعة في سوق العملة. وبالمقابل، فإن إعماله لعقله في ذاته سيجعله يكتشف أنه موجود يملك كرامة، وسيتعالى بذلك عن كل سعر، وسيحترم نفسه، ثم سيحترم غيره بناء على قاعدتي المماثلة والمساواة. ومن هذا المنطلق نفهم، أن قيمة الشخص تتمثل في وجوده الأخلاقي الذي يجعل من الشخص غاية في ذاته.

إذا كانت مقاربة كانط تطغى عليها مسحة مثالية واضحة، فإن جون راولز J. Rawls، يعالج قيمة الشخص من منطلق فلسفي واقعي واجتماعي. فيرى الفيلسوف، أن قيمة الشخص تتمثل أساسا في مواطنته التي تفترض أن يتحول إلى فرد فاعل في المجتمع، متفاعل مع الآخرين على أساس مبدأي الحق والواجب. لأن المجتمع الديمقراطي – في منظور راولز – يشترط أن يقع التعامل مع الأفراد باعتبارهم أحرارا ومتساويين، وانطلاقا من كفاءاتهم التي تقبل الاختزال في كفائتين هما: امتلاك حس للعدالة، والتوفر على حس معين للخير. ولا يتحدد مفهوم الخير في تعاون بسيط في إطار الحياة الاجتماعية، لأنه يمتد إلى ماله قيمة في الحياة الإنسانية. ومن هذا المنطلق، يؤكد الفيلسوف أن قيمة الشخص تتحدد في ضرورة الانفتاح على الغير، وبالتالي احترامه لمختلف التعاقدات والالتزامات.

أما جورج غوسدورف G. Gusdorf، فينطلق من التساؤل حول ما إذا كانت قيمة الشخص، تتمثل في استقلاليته. ليلاحظ، أن استقلالية الذات لا تمثل الحقيقة الأولى في الوجود البشري، مبينا أن قيمة الشخص تتمثل فيما يبذله من أجل كماله الذاتي، وتلك غاية لا يمكنها أن تتحقق إلا بانفتاح الفرد عن الآخرين.

إن هذا ما دفع بالفلاسفة – في اعتقاد غوسدورف – إلى التمييز في وجود الشخص بين الذات المفكر، والذات الأخلاقية. فالشخص قد ينظر إلى ذاته كوجود متميز ومنعزل وفي غير ما حاجة إلى الآخرين. إلا أن ذلك مجرد وهم، لأن كمال الشخص، وبالتالي قيمته، لا يمكن أن يتحققا في انغلاقه على نفسه، وإنما في إقامة أشكال من التضامن والتعاون مع الغير.

إذا كان كانط يرى أن قيمة الشخص توجد في ذاته، وإذا كان كل من غوسدورف يؤكدان - كل بطريقته الخاصة – أن قيمة الشخص تتحدد في انفتاحه عن الغير، فإن السؤال التالي يحتم نفسه: هل الشخص حر في توجيه ذاته بالشكل الذي يريده؟ أم أنه خاضع لحتميات خاصة؟

3. الشخص بين الضرورة والحرية

يعتقد مونيي Mounier أن بمقدور الشخص أن يحدد مصيره، ولا يمكن لأحد أن يحل محله. ولكن ذلك لا يعني أن حرية الإنسان مجرد سلوك تلقائي، لأن الحرية تتمثل في توجيه تلقائية الفرد نحو شخصنة personnalisation الذات والعالم. ومن ثم، فإن الشخص لا يمارس حرية من أجل الحرية، لأن الحرية مشروطة بأشكال من التضحية والاختيار. ويظل الاهتمام بالحريات العامة أساسا ضروريا للاهتمام بالحرية: فالحرية لا يمكن أن تتحقق دون ضمان الشروط البيولوجية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية...

وفي المقابل، يرى سارتر أن الإنسان هو الكائن الوحيد الذي يسبق وجوده ماهيته. فالفرد يوجد أولا ثم يحدد بعد ذلك ماهيته. إن الإنسان في اعتقاد سارتر مشروع، ومن ثم لا يكتفي الفرد بتصور ذاته، وإنما يلقي بها في المستقبل كما يريد أن يكون بوصفه شخصا. وأثناء بناء الفرد لذاته، فهو مسؤول عن بناء الإنسانية قاطبة، لذلك لا يمكنه أن يختار إلا الخير. ولا يجب أن نفهم من ذلك أن المسؤولية تقيد الحرية، لأن فردانية الوجود الإنساني تتنافى مع كل حتمية علموية. هكذا يرى سارتر، أن اختيارات الشخص ترجمة واضحة لكل معاني الحرية الفردية المطلقة.

أما سبينوزا، فيرى أنه لو كانت الحجرة التي تتحرك بفعل تأثير أسباب موضوعية تملك وعيا لأكدت أنها تفعل ذلك بمحض إرادتها، كما أن السكير سيعتقد أن هو من يختار تصرفاته... ليخلص الفيلسوف إلى أن الوعي وحده ما يجعل الفرد يعتقد أنه حر في أفعاله. والحقيقة أن الشعور بالحرية لا ينجم إلا عن جهل تام بالأسباب الفعلية الكامنة وراء الأفعال.

كتخريج عام، يتبين أن مفهوم الشخص يثير إشكاليات فلسفية متداخلة، ولا يمكن أن نعتبر المواقف المثارة قطعية ونهائية. لأن واقع الفلسفة في دينامية وتجدد تبعا لتغير طبيعة العصر، وتنامي المعرفة البشرية. علاوة على أن حقيقة الفرد لا يمكن أن تعالج دون تحديد نوعية علاقته بالغير، ودون إثارة القضايا الإبيستيمولوجية التي تطرحها العلوم الإنسانية، على اعتبار أن هذه العلوم تحاول أن تخضع الإنسان للدراسة العلمية الموضوعية... ومهما يكن من أمر يجب أن ندرك أن محاولة التفكير في حقيقة الشخص هو محاولة للتفكير في حقيقة ذواتنا
[/center]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الشخص،
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات المسيرة :: امارة الاداب :: الفلسفة-
انتقل الى: